فصل: باب رجوع الشهود عن القتل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.باب رجوع الشهود عن القتل:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِقَتْلٍ عَمْدًا وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، ثُمَّ رَجَعَا فَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ فِي مَالِهِمَا فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ، وَكَذَلِكَ إذَا رَجَعَ أَحَدُهُمَا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ لِشَاهِدَيْ السَّرِقَةِ حِينَ رَجَعَا لَوْ عَلِمْت أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْت أَيْدِيَكُمَا، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُمَا بَاشَرَا قَتْلًا بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّهُمَا أَلْجَآ الْقَاضِيَ إلَى الْقَضَاءِ بِالْقَتْلِ فَإِنَّهُ يَخَافُ الْعُقُوبَةَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَالْمُلْجِئُ مُبَاشِرٌ حُكْمًا فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَيْهِ كَالْمُكْرَهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ مُغَلَّظَةً فِي مَالِهِمَا عِنْدَكُمْ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ.
وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الشَّاهِدَ سَبَبٌ لِلْقَتْلِ، وَالسَّبَبُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْقِصَاصِ الْمُسَاوَاةُ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ الْمُبَاشِرَ هُوَ الْوَالِي، وَهُوَ طَائِعٌ مُخْتَارٌ فِي هَذِهِ الْمُبَاشَرَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الشَّاهِدَ غَيْرُ مُبَاشِرٍ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَلَا مَعْنَى لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِلْجَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَخَافُ الْعُقُوبَةَ فِي الْآخِرَةِ وَبِهِ لَا يَصِيرُ مَلْجَأً إلَى ذَلِكَ، بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ إلَى الْعَفْوِ شَرْعًا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ مُغَلَّظَةً عَلَى الشُّهُودِ فَكُلُّ وَاحِدٍ يُقِيمُ الطَّاعَةَ خَوْفًا مِنْ الْعُقُوبَةِ عَلَى تَرْكِهَا وَلَا يَصِيرُ بِهِ مُكْرَهًا، ثُمَّ إنْ وُجِدَ هَذَا الْإِلْجَاءُ فِي حَقِّ الْقَاضِي فَبِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ مَا صَارَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ مَقْتُولًا، وَإِنَّمَا صَارَ مَقْتُولًا بِاسْتِيفَاءِ الْوَلِيِّ، وَهُوَ غَيْرُ مُلْجَأٍ إلَى ذَلِكَ، بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ إلَى الْعَفْوِ شَرْعًا وَلَا يُسَلَّمُ أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ مُغَلَّظَةً عَلَى الشُّهُودِ، بَلْ إنَّمَا تَجِبُ مُخَفَّفَةً بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ عَلَى حَافِرِ الْبِئْرِ إلَّا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْحَافِرِ الْبِئْرَ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِإِقْرَارِهِ وَإِقْرَارُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي حَقِّ الْعَاقِلَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ أَنَّ الشَّاهِدَ مُبَاشِرٌ حُكْمًا.
فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُبَاشِرَ حَقِيقَةً هَاهُنَا لَا يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ، وَهُوَ الْوَلِيُّ لِشُبْهَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي، فَالْمُبَاشِرُ حُكْمًا أَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّهْدِيدِ، فَقَدْ صَحَّ مِنْ مَذْهَبِ عَلِيٍّ أَنَّ الْيَدَيْنِ لَا يُقْطَعَانِ وَاحِدَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْقَوَدُ عَلَيْهِمَا كَانَ عَلَيْهِمَا الدِّيَةُ إنْ رَجَعَا، وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ لِإِتْلَافِ نِصْفِ النَّفْسِ، فَإِنْ رَجَعَ الْوَلِيُّ مَعَهُمَا، أَوْ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا فَلِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّاهِدَيْنِ الدِّيَةَ وَبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَ الْقَاتِلَ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ مُتْلِفٌ لِلنَّفْسِ حَقِيقَةً، وَالشُّهُودُ مُتْلِفُونَ لَهُ حُكْمًا، وَالْإِتْلَافُ الْحُكْمِيُّ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ كَالْإِتْلَافِ الْحَقِيقِيِّ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْوَلِيَّ الدِّيَةَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ يُضَمِّنُ بِفِعْلٍ بَاشَرَهُ لِنَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ.
وَإِنْ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ لَمْ يَرْجِعَا عَلَى الْوَلِيِّ أَيْضًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ثَبَتَ لَهُمَا حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْوَلِيِّ بِمَا ضَمِنَا؛ لِأَنَّهُمَا ضَمِنَا بِشَهَادَتِهِمَا وَقَدْ كَانَا عَامِلَيْنِ فِيهِ لِلْوَلِيِّ فَيَرْجِعَانِ عَلَيْهِ بِمَا يَلْحَقُهُمَا مِنْ الضَّمَانِ كَمَا لَوْ شَهِدَا بِالْقَتْلِ الْخَطَأِ أَوَبِالْمَالِ فَقَضَى الْقَاضِي وَاسْتَوْفَى الْمَشْهُودَ لَهُ، ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا وَضَمَّنَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الشَّاهِدَيْنِ كَانَ لَهُمَا أَنْ يَرْجِعَا عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ وَلَا يُقَالُ هُنَاكَ قَدْ مَلَكَ الْمَقْبُوضُ بِالضَّمَانِ وَهَاهُنَا لَمْ يَمْلِكَاهُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يُمَلَّكُ بِالضَّمَانِ، وَالْمَشْهُودُ بِهِ هُوَ الْقِصَاص وَهَذَا؛ لِأَنَّهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكَا بَعْدَ، فَقَدْ قَامَ مَقَامَ مَنْ ضَمِنَهُمَا فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْقَاتِلِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ غَصَبَ مُدَبَّرًا فَغَصَبَهُ آخَرُ مِنْهُ، ثُمَّ ضَمِنَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالضَّمَانِ عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْمُدَبَّرَ بِالضَّمَانِ، وَلَكِنَّهُ قَامَ مَقَامَ مَنْ ضَمِنَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِمَّا يُمَلَّكُ فِي الْجُمْلَةِ وَلَهُ بَدَلٌ مُتَقَوِّمٌ مُحْتَمَلُ التَّمْلِيكِ فَيَكُونُ السَّبَبُ مُعْتَبَرًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي بَدَلِهِ عِنْدَنَا لِتَعَذُّرِ أَعْمَالَهُ فِي الْأَصْلِ كَالْيَمِينِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ فِي بَلَدِهِ حَتَّى يَرْجِعَ بِالضَّمَانِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَعَقِّدًا فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ الَّتِي هِيَ خَلَفٌ عَنْ الْبِرِّ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ، وَهُوَ الْبِرُّ مُتَوَهِّمَ الْوُجُودِ فِي الْجُمْلَةِ وَعَلَى هَذَا غَاصِبٌ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّ الْمُدَبَّرَ مُتَقَوِّمٌ مَمْلُوكٌ فِي الْجُمْلَةِ فَيَنْعَقِدُ السَّبَبُ لِلْغَاصِبِ الْأَوَّلِ فِيهِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي بَدَلِهِ حَتَّى يَرْجِعَ بِالضَّمَانِ عَلَى الْغَاصِبِ الثَّانِي.
وَكَذَا شُهُودُ الْكِتَابَةِ إذَا رَجَعُوا وَضَمَّنَهُمْ الْوَلِيُّ الْقِيمَةَ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَى الْمُكَاتَبِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَمْ يَمْلِكُوا رَقَبَةَ الْمُكَاتَبِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُكَاتَبُ مَمْلُوكًا رَقَبَةً لِلْمُكَاتَبِ انْعَقَدَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِمْ عَلَى أَنْ يَكُونَ عَامِلًا فِي بَدَلٍ، وَهُوَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكُوا رَقَبَةَ الْمُكَاتَبِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الشُّهُودُ ضَمِنُوا لِإِتْلَافِهِمْ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ حُكْمًا، وَالْمُتْلِفُ لَا يَرْجِعُ بِمَا يَضْمَنُ بِسَبَبِهِ عَلَى غَيْرِهِ كَالْوَلِيِّ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُتْلِفِينَ مَا كَانُوا ضَامِنِينَ مَعَ مُبَاشَرَةِ الْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ السَّبَبِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمُبَاشَرَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ إنْسَانٌ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا غَيْرُهُ فِي الطَّرِيقِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ وَلَوْ دَفَعَهُ غَيْرُهُ حَتَّى وَقَعَ فِيهِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الدَّافِعِ دُونَ الْحَافِرِ وَهَاهُنَا لَمَّا ضَمِنَ الشُّهُودُ عَرَفْنَا أَنَّهُمْ جُنَاةٌ مُتْلِفُونَ لِلنَّفْسِ حُكْمًا، وَإِنْ كَانَ تَمَامُ ذَلِكَ الْإِتْلَافِ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْوَلِيِّ فَإِنَّ اسْتِيفَاءَ الْوَلِيِّ بِمَنْزِلَةِ شَرْطٍ بِقَدْرِ جِنَايَتِهِ، وَمَنْ ضَمِنَ بِجِنَايَتِهِ عَلَى النَّفْسِ لَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ فَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَإِنَّمَا رَجَعَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَقْبُوضِ، وَهُوَ الدِّيَةُ، وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْمُسْتَوْفِي بِصَرْفِهِ إلَى حَاجَتِهِ وَهَذَا سَبَبٌ آخَرُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ لِلشَّاهِدِ، وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ بِالْمَالِ قَوْلُهُمَا إنَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يُجْعَلُ هُوَ قَائِمًا مُقَامَ مَنْ ضَمِنَهُ قُلْنَا هَذَا أَنْ لَوْ بَقِيَ حَقُّ مَنْ ضَمِنَهُ قَبْلَ الْوَلِيِّ وَاخْتِيَارِهِ فَتَضْمِينُ الشَّاهِدِ إبْرَاءٌ مِنْهُ لِلْوَلِيِّ فَكَيْفَ يَقُومُ الشَّاهِدُ مُقَامَهُ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ بِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ السَّبَبُ مُوجِبًا لِلْمِلْكِ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي بَدَلِهِ قُلْنَا هَذَا أَنْ لَوْ كُنَّا فِي الْأَصْلِ نَتَوَهَّمُ الْمِلْكَ فِي الضَّمَانِ، وَلَيْسَ فِي الْقِصَاصِ تَوَهُّمُ الْمِلْكِ بِالضَّمَانِ بِحَالٍ فَلَا يَنْعَقِدُ السَّبَبُ بِاعْتِبَارِ الْحَلِفِ كَيَمِينِ الْغَمُوسِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِصَاصُ مِلْكًا لَهُمَا لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُتْلِفُ عَلَيْهِمَا كَمَا إذَا شَهِدَا عَلَى الْوَلِيِّ بِالْعَفْوِ وَقَتَلَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إنْسَانٌ آخَرُ فَلَيْسَ لَهُ الْقِصَاصُ قَبْلَ الضَّمَانِ وَانْعِقَادُ السَّبَبِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ حَقِيقَةً، وَإِذَا كَانَ الْمُتْلِفُ لِلْقِصَاصِ لَا يَضْمَنُهُ لِلْمَالِكِ، فَكَيْف يَضْمَنُهُ لِمَنْ انْعَقَدَ لَهُ السَّبَبُ؟ وَبِهِ فَارَقَ مَسْأَلَةَ غَصْبِ الْمُدَبَّرِ وَالْكِتَابَةِ، فَإِنَّ هُنَاكَ لَوْ كَانَ مَالِكًا حَقِيقَةً لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُتْلِفُ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا جُعِلَ كَالْمَالِكِ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ انْعِقَادِ السَّبَبِ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْبَدَلِ لِذَلِكَ.
وَلَوْ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ دُونَ الْوَلِيِّ فَقَالَ الْوَلِيُّ أَنَا أَجِيءُ بِشَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَتَلَ الْقَاتِلَ لَمْ أَلْتَفِتْ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ وَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُصِرًّا عَلَى دَعْوَاهُ وَلَمْ يَظْهَرْ الْقَتِيلُ فَلَوْ قُبِلَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ إنَّمَا تُقْبَلُ لِإِسْقَاطِ ضَمَانِ الدِّيَةِ عَلَى الرَّاجِعَيْنِ وَهُمَا لَا يَدَّعِيَانِ ذَلِكَ، بَلْ يُكَذَّبَانِ الشَّاهِدَيْنِ وَيُقِرَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالدِّيَةِ لِنِسْبَتِهِمْ لِلْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا فَائِدَةَ فِي قَبُولِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ.
وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُ شَاهِدَيْ الدَّمِ مَعَ آخَرَ عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ كَانَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ، أَوْ عَبْدًا فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ تَقُومُ لِإِبْطَالِ قَضَاءِ الْقَاضِي لَا لِإِثْبَاتِ مِلْكٍ، أَوْ حَقٍّ لِأَحَدٍ بِعَيْنِهِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى إبْطَالِ قَضَاءِ الْقَاضِي لَا تُقْبَلُ وَلَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ بِهَذَا لَا يَصِيرُ رَاجِعًا، فَقَدْ يَكُونُ هُوَ مُحِقًّا فِي شَهَادَتِهِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ عَبْدًا، أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ وَأَمَّا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، فَهُوَ ثَابِتٌ عَلَى شَهَادَتِهِ مُنْكِرٌ لِمَا شَهِدَ بِهِ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ عَبْدٌ لِهَذَا الْمُدَّعِي فَيَصِيرُ بِهِ عَبْدًا لَهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ تَقُومُ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكُ لِلْمُدَّعِي، فَإِذَا قُبِلَتْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ فِي قَضَائِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ فَيَكُونُ ضَمَانُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ وَقَعَ الضَّمَانُ لَهُ، وَهُوَ الْوَلِيُّ وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُخْطِئًا فِي الْقَتْلِ، وَأَنَّمَا ظَهَرَ بِمَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ وَبِهَذَا الْفَصْلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْجِعْ الشُّهُودُ، وَالْوَلِيُّ، وَلَكِنْ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا فَإِنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَلِيِّ، وَالشُّهُودِ وَيُتَخَيَّرُ وَلِيُّ الْقَتِيلِ فِي ذَلِكَ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي مَالِهِمْ إذَا رَجَعُوا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ بِالِاعْتِرَافِ.
وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالدَّمِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ فَلَمْ يَقْتُلْ حَتَّى رَجَعَا اسْتَحْسَنْتُ أَنْ أَدْرَأَ الْقِصَاصَ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرُ وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ فَيَتِمُّ الْقَضَاءُ بِنَفْسِهِ، وَالرُّجُوعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ كَالْمَالِ، وَالنِّكَاحِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِالنِّكَاحِ، ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ لَا يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْوَطْءِ عَلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْقِصَاصِ يُحْتَاطُ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَكَذَلِكَ فِي الْوَطْءِ وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالْغَلَطُ فِيهِ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْحُدُودِ فَكَمَا أَنَّ فِي الْحُدُودِ لَا يَتِمُّ الْقَضَاءُ بِنَفْسِهِ وَيَجْعَلُ رُجُوعَ الشُّهُودِ مَعَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بِمَنْزِلَةِ الرُّجُوعِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَكَذَلِكَ فِي الْقِصَاصِ بِخِلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ وَبِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ هُنَاكَ يَنْعَقِدُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَهَاهُنَا مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا مِنْ الْقِصَاصِ لَا يَصِيرُ وَاجِبًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْحُجَّةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَأَصْلُ شَهَادَةِ الشُّهُودِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَى حُجَّةٌ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ يَمْتَنِعُ الِاسْتِيفَاءُ وَكُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِغَيْرِ صُلْحٍ فَهِيَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ وَتَقَوُّمُ الدَّمِ بِالْمَالِ ثَابِتٌ شَرْعًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا قَوَّمَهُ الشَّرْعُ بِمَالٍ مُؤَجَّلٍ فَكَمَا لَا يُزَادُ فِي قَدْرِ ذَلِكَ بِحَالٍ فَكَذَلِكَ لَا يُزَادُ فِي صِفَتِهِ بِأَنْ يُجْعَلَ حَالًّا.
وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالدَّمِ فَاقْتُصَّ مِنْ الْقَاتِلِ، ثُمَّ قَالَا: أَخْطَأْنَا إنَّمَا الْقَاتِلُ هَذَا لَمْ يُصَدَّقَا عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالْقَتْلِ وَغَرِمَا الدِّيَةَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُمَا- رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إبْرَاهِيمَ يَعْنِي فِي السَّرِقَةِ.
وَلَوْ شَهِدَا بِدَمٍ عَلَى رَجُلَيْنِ فَقُتِلَا بِشَهَادَتِهِمَا، ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمَا فِي أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةِ هَذَا الرَّجُلِ الْوَاحِدِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا يَضْمَنُ مِنْ دِيَةِ الْآخَرِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ شَهَادَتِهِ فِيهِ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي حَقِّ الْآخَرِ مَنْ يُقَوِّمُ بِهِ نِصْفَ الْحَقِّ فَيَجِبُ عَلَى الرَّاجِعِ نِصْفُ دِيَتِهِ وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ وَادَّعَى عَلَيْهِ أَوْلِيَاءُ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ وَسَأَلُوا يَمِينَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ يَمِينٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ لَمْ يُقْبَلْ فَكَيْفَ يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فَكَانَتْ هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلَةً مِنْهُمْ، وَإِنْ رَجَعَ الشَّاهِدُ فَلَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَمَاتَ أُخِذَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ حَالًا لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ لَهُ عَنْ الْأَجَلِ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ الرُّجُوعُ مِنْهُ فِي الْمَرَضِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فِي الصِّحَّةِ بَيَّنَ، بُدِئَ بِدَيْنِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ- رُجُوعَهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ بِالدِّيَةِ، وَالْمَرِيضُ إذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فِي صِحَّتِهِ بُدِئَ بِدَيْنِ الصِّحَّةِ.
وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى دَمٍ عَمْدٍ وَلَهُمَا عَلَى الْمَقْتُولِ دَيْنٌ أَجَزْتُ شَهَادَتَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْقَوَدَ بِشَهَادَتِهِمَا وَلَا مَنْفَعَةَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ الدَّمِ، فَإِنْ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا بَعْدَ الْقَتْلِ ضَمِنَا الدِّيَةَ وَيَقْبِضَانِ دَيْنَهُمَا مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ سِوَى ذَلِكَ حَاصَّهُمْ فِيهِ قَالَ الْحَاكِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا تَصِحُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ عَلَى الْمَقْتُولِ قِصَاصًا، وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ لَهُمَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَالدِّيَةُ عِنْدَ الرُّجُوعِ تَجِبُ عَلَيْهِمَا لِلْمَقْتُولِ قِصَاصًا فَكَيْفَ يَسْتَوْفِيَانِ دَيْنَهُمَا مِنْ هَذِهِ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُمَا عَلَى الْمَقْتُولِ قِصَاصًا فَبَدَلُ نَفْسِهِ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الرُّجُوعِ وَدَيْنُهُ يُقْضَى مِنْ بَدَلِ نَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.باب جناية الصبي والمعتوه:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَإِذَا أَمَرَ الصَّبِيُّ الْحُرُّ الصَّبِيَّ الْحُرَّ أَنْ يَقْتُلَ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ، وَلَيْسَ عَلَى الْآمِرِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّبِيِّ هَدَرٌ فِيمَا يَلْزَمُهُ الْغُرْمُ فَيَكُونُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَبَقِيَ مُبَاشَرَةُ الْقَتْلِ مِنْ الصَّبِيِّ الْقَاتِلِ.
وَلَوْ أَمَرَ رَجُلٌ صَبِيًّا فَقَتَلَ رَجُلًا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ كَمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ بِاخْتِيَارِهِ يَرْجِعُونَ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ جَانٍ فِي اسْتِعْمَالِهِ الصَّبِيَّ وَأَمْرِهِ إيَّاهُ بِالْقَتْلِ، وَهُوَ الَّذِي تَسَبَّبَ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ فَثَبَتَ لَهُمْ حَقُّ الرُّجُوعِ بِهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَإِنْ قِيلَ أَمْرُهُ قَوْلٌ وَمَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ بِقَوْلِهِ مِنْ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ قُلْت مُتَمَثِّلًا نَعَمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ خَبَرًا مُحْتَمِلًا الصِّدْقَ، وَالْكَذِبَ؛ لِيَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى الْكَذِبِ فِي حَقِّ الْعَاقِلَةِ فَأَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا فَلَا تَرَدُّدَ فِي كَوْنِهِ تَسَبُّبًا وَاسْتِعْمَالًا، وَإِذَا ثَبَتَ السَّبَبُ فِي حَقِّ الْعَاقِلَةِ ثَبَتَ الْحُكْمُ.
وَإِذَا أَعْطَى الرَّجُلُ صَبِيًّا عَصًا، أَوْ سِلَاحًا يُمْسِكُهُ لَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ فِيهِ بِشَيْءٍ فَعَطِبَ الصَّبِيُّ بِذَلِكَ بِأَنْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ فَوَقَعَ عَلَى رِجْلِهِ فَمَاتَ فَضَمَانُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ جَانٍ فِي اسْتِعْمَالِ الصَّبِيِّ فِي إمْسَاكِ مَا دَفَعَ إلَيْهِ، وَهُوَ سَبَبٌ لِهَلَاكِهِ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ السَّبَبِ، وَإِنْ قَتَلَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ بِذَلِكَ، أَوْ قَتَلَ رَجُلًا لَمْ يَضْمَنْ الدَّافِعُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِإِمْسَاكِهِ لَا بِاسْتِعْمَالِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِاسْتِعْمَالِهِ، وَهُوَ مُخْتَارٌ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ مِنْ جِهَةِ الدَّافِعِ فَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَ بِهِ نَفْسَهُ فَإِنَّمَا تَلِفَ بِاسْتِعْمَالِهِ لَا بِإِمْسَاكِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ عَلَى رِجْلِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّةَ حَصَلَ الْهَلَاكُ لَا بِمُبَاشَرَتِهِ، بَلْ بِإِمْسَاكِهِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ دَفْعِ الدَّافِعِ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي الدَّفْعِ فَيَضْمَنُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَصَلَ التَّلَفُ بِمُبَاشَرَتِهِ وَحَدَثَ مِنْ جِهَةِ الصَّبِيِّ بِاخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّهُ طَرَأَتْ الْمُبَاشَرَةُ عَلَى التَّسْبِيبِ فَيَنْقَطِعُ حُكْمُ التَّسْبِيبِ وَهَذِهِ الْمُبَاشَرَةُ لَيْسَتْ حُكْمَ ذَلِكَ التَّسْبِيبِ فَلَا يَثْبُتُ الرُّجُوعُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِالْقَتْلِ حُكْمًا.
، وَإِذَا غَصَبَ الرَّجُلُ الصَّبِيَّ الْحُرَّ فَذَهَبَ بِهِ، فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ إنْ قُتِلَ أَوْ أَصَابَهُ حَجَرٌ، أَوْ أَكَلَهُ سَبُعٌ، أَوْ تَرَدَّى مِنْ حَائِطٍ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ يَخْتَصُّ بِمَا هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، وَالصَّبِيُّ الْحُرُّ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَلَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ كَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ أَصَابَتْهُ حُمَّى فَمَاتَ، أَوْ مَرِضَ فَمَاتَ أَوْ خَرَجَتْ بِهِ قُرْحَةٌ فَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْ الْغَاصِبُ شَيْئًا بِالِاتِّفَاقِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ مُكَاتَبًا صَغِيرًا فَمَاتَ فِي يَدِهِ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لَمْ يَضْمَنْ الْغَاصِبُ شَيْئًا، فَالْحُرُّ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنُ أُمَّ الْوَلَدِ بِالْغَصْبِ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِرِقِّهَا قِيمَةُ فَلَأَنْ لَا يَضْمَنُ الْحُرُّ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ كَانَ أَوْلَى.
وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ سَبَبٌ لِإِتْلَافِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْمُسَبِّبُ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي سَبَبٍ، فَهُوَ ضَامِنٌ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي الطَّرِيقِ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّهُ أَزَالَ يَدَ حَافِظِهِ عَنْهُ فِي حَالِ حَاجَتِهِ إلَى الْحِفْظِ وَلَمْ يَقُمْ بِحِفْظِهِ بِنَفْسِهِ فَكَانَ مُسَبِّبًا لِإِتْلَافِهِ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ شَرْعًا مِنْ إزَالَةِ يَدِ حَافِظِهِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا إنْ لَمْ يَقُمْ بِحِفْظِهِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِأَمْرٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى تَرْكِهِ الْحِفْظَ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ سَبَبًا لِإِزَالَةِ حَافِظِهِ عَنْهُ فَأَمَّا التَّرَدِّي مِنْ الْحَائِطِ وَنَهْشُ الْحَيَّةِ وَإِصَابَةُ الْحَجَرِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الضَّمَانَ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ، وَالْحُرُّ يَضْمَنُ بِالْجِنَايَةِ تَسْبِيبًا كَانَ، أَوْ مُبَاشَرَةً وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ صَغِيرًا كَانَ، أَوْ كَبِيرًا، فَهُوَ بِفِعْلِهِ مَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ وَبِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهَا تَقُومُ بِحِفْظِ نَفْسِهَا فَلَا يَكُونُ هُوَ جَانِيًا بِإِزَالَةِ الْحِفْظِ عَنْهَا؛ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ نَقْصَهَا وَلَوْ قَتَلَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ الْغَاصِبِ رَجُلًا فَلَيْسَ عَلَى الْغَاصِبِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْقَتْلِ، وَلَكِنَّهُ أَنْشَأَ الْقَتْلَ بِاخْتِيَارِهِ فَلَوْ ثَبَتَ لِلْعَاقِلَةِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَاصِبِ كَانَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ عَلَى الصَّبِيِّ، وَالْحُرُّ لَا يَضْمَنُ بِالْيَدِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْغَاصِبِ كَمَا لَوْ قَتَلَ غَيْرَهُ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ حِفْظُهُ مِنْ ذَلِكَ السَّبَبِ عَادَةً، فَهُوَ كَمَا لَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ.
وَإِذَا حَمَلَ الرَّجُلُ الصَّبِيَّ الْحُرَّ عَلَى دَابَّةٍ فَقَالَ لَهُ أَمْسِكْهَا لِي، وَلَيْسَ بِيَدِهِ حَبْلٌ فَسَقَطَ عَنْ الدَّابَّةِ فَمَاتَ، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِتْلَافِهِ حِينَ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَكَانَ مُتَعَدِّيًا فِي تَسْبِيبِهِ، فَإِذَا تَلِفَ بِذَلِكَ السَّبَبِ كَانَ ضَامِنًا لِدِيَتِهِ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الصَّبِيُّ مِمَّنْ يَرْكَبُ، أَوْ لَا يَرْكَبُ، فَإِنْ سَارَ الصَّبِيُّ عَلَى الدَّابَّةِ فَأَوْطَأَ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ، فَإِنْ كَانَ هُوَ مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَيْهَا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ لِلرَّجُلِ بِدَابَّتِهِ حِينَ أَوْطَأَهَا إيَّاهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ السَّيْرَ بِاخْتِيَارِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَسِيرُ عَلَى الدَّابَّةِ لِصِغَرِهِ وَلَا يَسْتَمْسِكُ عَلَيْهَا فَدَمُ الْقَتِيلِ هَدَرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الدَّابَّةَ بِمَنْزِلَةِ الْمُنْفَلِتَةِ فَإِنَّهَا سَارَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَيِّرَهَا أَحَدٌ وَالدَّابَّةُ الْمُنْفَلِتَةُ إذَا وَطِئَتْ إنْسَانًا فَدَمُهُ هَدَرٌ وَهَذَا الَّذِي حَمَلَ الصَّبِيَّ عَلَى الدَّابَّةِ لَمْ يُسَيِّرْهَا فَلَا يَكُونُ هُوَ قَائِدًا لِلدَّابَّةِ وَلَا سَائِقًا، وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَتَاعٍ مَوْضُوعٍ عَلَيْهَا فَلَا يَكُونُ هُوَ مُسَيِّرًا لِلدَّابَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَسْتَمْسِكُ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَمَلَ الرَّجُلُ مَعَهُ الصَّبِيَّ عَلَى الدَّابَّةِ وَمِثْلُهُ لَا يُصَرِّفُهَا وَلَا يَسْتَمْسِكُ عَلَيْهَا فَوَطِئَتْ الدَّابَّةُ إنْسَانًا فَقَتَلَتْهُ، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّجُلِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسَيِّرُ لِلدَّابَّةِ، وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَسْتَمْسِكُ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ مَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ يُجْعَلُ مُتْلِفًا لِمَا أَوْطَأَ بِدَابَّتِهِ مُبَاشَرَةً فَإِنَّهُ إنَّمَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ، وَالْكَفَّارَةُ جَزَاءُ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ يُصَرِّفُ الدَّابَّةَ وَيَسِيرُ عَلَيْهَا، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَيِّرٌ لِلدَّابَّةِ هَاهُنَا فَكَانَا جَانِيَيْنِ عَلَى الرَّجُلِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا وَلَا تَرْجِعُ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّجُلِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ جِنَايَةِ الصَّبِيِّ بِيَدِهِ، وَالرَّجُلُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ وَلَوْ سَقَطَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَيْهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حَامِلَ الصَّبِيِّ عَلَى الدَّابَّةِ ضَامِنٌ لِدِيَتِهِ إذَا سَقَطَ سَوَاءٌ كَانَ سُقُوطُهُ بَعْدَ مَا سَيَّرَ الدَّابَّةَ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يُسَيِّرَهَا وَكَانَ هُوَ مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَيْهَا، أَوْ لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَيْهَا.
وَإِذَا حَمَلَ الْعَبْدُ صَبِيًّا حُرًّا عَلَى دَابَّةٍ فَوَقَعَ الصَّبِيُّ عَنْهَا فَمَاتَ فَدِيَتُهُ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ يُدْفَعُ بِهِ، أَوْ يُفْدَى؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسَبِّبًا لِهَلَاكِهِ، وَالْعَبْدُ يَضْمَنُ بِالْجِنَايَةِ تَسَبُّبًا كَانَ أَوَمُبَاشَرَةً، وَمُوجَبُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ الدَّفْعُ، أَوْ الْفِدَاءُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَسَارَا عَلَيْهَا فَوَطِئَتْ إنْسَانًا فَمَاتَ فَعَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي عُنُقِ الْعَبْدِ نِصْفُهَا يُدْفَعُ بِهِ، أَوْ يُفْدَى؛ لِأَنَّهُمَا جَانِيَانِ عَلَى الْمَقْتُولِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوجَبُ جِنَايَتِهِ وَيُجْعَلُ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ كَأَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ، وَإِذَا حَمَلَ الْحُرُّ الْكَبِيرُ الْعَبْدَ الصَّغِيرَ عَلَى الدَّابَّةِ وَمِثْلُهُ يُصَرِّفُهَا وَيَسْتَمْسِكُ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ عَلَيْهَا فَأَوْطَأَ إنْسَانًا فَذَلِكَ فِي عُنُقُ الْعَبْدِ يَدْفَعُهُ بِهِ مَوْلَاهُ أَوَيَفْدِيهِ بِمَنْزِلَةِ جِنَايَتِهِ بِيَدِهِ وَيَرْجِعُ مَوْلَاهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَمِنْ الْأَرْشِ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ حَمَلَهُ عَلَى دَابَّتِهِ، فَقَدْ صَارَ غَاصِبًا لَهُ وَيَبْقَى حُكْمُ غَصْبِهِ مَا بَقِيَ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ إذَا جُنِيَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ غَصَبَهُ فَارِغًا وَرَدَّهُ مَشْغُولًا بِالْجِنَايَةِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، فَالْمَحْمُولُ عَلَى الدَّابَّةِ هُنَاكَ حُرٌّ، وَالْحُرُّ لَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَلَوْ حَمَلَهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ لَا يُصَرِّفُ الدَّابَّةَ وَلَا يَسْتَمْسِكُ عَلَيْهِمَا فَسَارَتْ الدَّابَّةُ فَأَوْطَأَتْ إنْسَانًا فَدَمُهُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَيْهَا لَيْسَ بِقَائِدٍ لِلدَّابَّةِ وَلَا سَائِقٍ لَهَا، وَإِنَّمَا هَذِهِ دَابَّةٌ مُنْفَلِتَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ وَاقِفَةً حَيْثُ أَوْقَفَهَا وَلَمْ تَسِرْ حَتَّى ضَرَبَتْ رَجُلًا بِيَدِهَا، أَوْ رِجْلِهَا، أَوْ بِذَنَبِهَا، أَوْ كَدَمَتْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ حِينَ كَانَ لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ وَعَلَى الَّذِي أَوْقَفَهَا الضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسَبُّبِ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ إيقَافِ الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَوْقَفَهَا فِي مِلْكِهِ فَحِينَئِذٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي إيقَافِهَا فِي مِلْكِهِ، وَالْمُتَسَبِّبُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِي تَسَبُّبِهِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فِي مِلْكِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.